17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف| جوهر العلم

إيقاع مختلف| جوهر العلم

فجوهر العلم فيه أنه بشر 

وأنه خير خلق الله كلهم

كثيرا ما يستوقفنى هذا البيت الجميل من أبيات بردة الإمام البصيرى، هذا البيت الذى ينفذ من خلاله إلى مناط العظمة فى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بشريته، فكون محمد عليه الصلاة والسلام بشراً هو الذى يجعله قدوة يمكن أن يقتدى بها، وأسوة يمكن أن يتأسى بها، ولو كان ملكا لقلنا مالنا وسلوكه، إنما هو ملك، وإنما هذا سلوك الملائكة لا البشر، ما لنا نحن وأخلاقه، إنما هذه أخلاق الملائكة لا البشر، ما لنا نحن وعبادته لله، إنما هذه عبادة الملائكة لا البشر.

ولقد كان الرسول عليه صلوات الله وسلامه حريصاً كل الحرص على أن يؤكد بشريته، وعلى أن يهون على من يراه أمر رؤيته، ويذهب عنه الروع والرهبة، فيذكر له أنه ابن امرأة كانت تأكل القديد.

إنه بشر يجوع ويظمأ، ويأكل ويشرب ويمشى فى الأسواق، إنه إنسان يبكى ويجرح ويموت ذووه،  بل ويموت هو نفسه.

انظر معى إليه وقد مات ابنه فدمعت عيناه وحزن قلبه، ولكنه أبى أن يقول إلا ما يرضى الله،  وفى الوقت ذاته أبى أن يعتقد الناس أن الشمس يمكن تكسف أو أن القمر يمكن أن يخسف لموت ابنه او لموت أى من الناس، فإنما هما آيتان من آيات الله.

كان يمكن لدعوته أن تحقق كسباً فى نفوس أولئك الذين رأوا فى كسوف الشمس معجزة تحثهم على التصديق به، لكنه ذلك الكسب المؤقت الزائف الذى ينقض جوهر العلم، ويهدم بنيان الرسالة من أساسه، وهو بشريته الصادقة، وصدقه البشرى النبيل.

ثم انظر إليه فى غزوة أحد، وقد كان فى القلب من المعركة التى حمى وطيسها، إلى أن يناله ما ينال المجاهد البشرى الصادق النبيل من جراح، بل ويشيع أنه قد مات،  وتنتهى الغزوة إلى ما انتهت إليه، لتتأكد  بشريته عليه السلام مجددا.

صحيح أنه ربى على عين الله سبحانه وتعالى، وأنه أُدب بأدب ربانى، وهذب بتهذيب إلهى، ولكن هذا لا يتناقض مع بشريته، بل يؤكدها ويهيئها لحمل هذه الأمانة الإلهية النبيلة، وتبليغ هذه الرسالة الإنسانية العظيمة.

فى ذكرى المولد النبوى الشريف نصلى صلاة وسلاما دائمين على النبى الأمى الذى علم أمة، وبنى حضارة، وكان ميلاده وبعثته رحمة للعالمين.
--------------------------
بقلم: السيد حسن

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة